رشان اوشي

وقائع الآونة الأخيرة في نواح عدة، تشير الى التفوق المهني لجهازي “المخابرات العامة” و”هيئة الاستخبارات العسكرية” الذي يلعب الدور الأهم، والسودانيين في مأزق وجودي ووجداني أمام شراسة العدو التي لا تتوقف عند شيء.

باستسلام “ابو عاقلة كيكل” ، احد اهم قادة مليشيات “الدعم السريع” ، وهو صندوق أسود يخزن ما يفوق الخيال من اسرار الخيانة والخذلان، بدأت تنقشع سُحب الغموض على تفاصيل حرب ١٥/أبريل وتتلاشى في الفضاء، وتتضح بتفاصيلها، ومن خلالها، نعرف نحن من ساهم في شقائنا، وليس هناك أفضل من متمرد تائب يقدم شهادات للرأي العام، فالفوز يتسابق الجميع إلى تبنيه، أما النكسة فتبقى يتيمة مدى الدهر.

وفي المواجهة الحالية بدأت الحرب على الخونة داخل المعركة الوطنية ، فقد أعلن “كيكل” في تسجيل صوتي امس، إن ضابطان بالجيش السوداني تخابرا لصالح العدو وتسببا في سقوط ولاية الجزيرة ، ليس هناك أفضل من “كيكل” ليخبرنا بذلك .

اعترافات “كيكل” التي جعلته “شاهد ملك” أمام محكمة التاريخ والرأي العام ، توضح إن حسابات كثيرة كانت خاطئة، وأدّت إلى نكسة في النتائج، و أن الخطأ في الحسابات أدّى إلى المأزق العسكري، وأن الاختراق أدى إلى النكسة السياسية، والاختراق هنا يشبه إلى حد بعيد الدور الذي نُسب إلى الضابطين المشار إليهما في معرض شهادة “كيكل” ، فالخائن لا يحفظ الأسرار.

ثمة حقيقة إضافية أكدتها عملية استسلام “كيكل” وما وفرته من معلومات مهمة ، إن “هيئة الاستخبارات العسكرية ” و”جهاز المخابرات العامة” يمتلكان قدرة استثنائية على المنع والردع، لم تفلح الحرب النفسية ولا التدمير الممنهج في استئصالَها، مؤسسات كبيرة وقوية صاحبة خبرة في “الصبر الاستراتيجي” والاختراق والتطويق، غيرت على الأقل ملامح جزء من معركة الكرامة في هذا الجانب الذي طالما اثار الكثير من الاستفهامات ، كما انها قادرة على خوض حروب استخبارية مخفوضة الوتيرة وطويلة.

بات واضحاً ان المؤسسة العسكرية والأمنية باحترافيتها البائنة ، تعلم نهاية القصة، وإن اليوم التالي لصمت المدافع أشدَّ شراسة من دويّها، لذلك فضلت أن يعلن “كيكل” عن الخونة ،ليس هناك أفضل من شهادة خائن ينشد الصفح والغفران، وهو يقف عارياً أمام السهام المنطلقةِ من كل صوب ، بلا شك ستكون هناك اتهاماتٌ ولجان تحقيق وربما محاكمات وقد يشعر الآن بالقلق جميع الخونة الذين مازالوا خلف الحجب.

أخطر ما في الحريق المندلع حالياً بعد شهادة “كيكل” ، إنه لن يتوقف عنده ، فهناك ايضاً عدد مقدر من القادة العسكريين والسياسين لمليشيا الدعم السريع قد استسلموا ، وكشفوا الكثير من اسرار الخيانة والارتزاق، وستعلن الاجهزة الأمنية عنهم قريباً.

قريباً سيصبح كل الخونة، اولئك الذين تسببوا في شقاءنا ، عراة امام محكمة الضمير والتاريخ .

محبتي وأحترامي