د.الباقر عبد القيومد.الباقر عبد القيوم

✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

الحمد لله ، من الجيد أن نرى الجيش بإسمه العريض الذي يضم كل القوات النظامية و المستنفرين من قوات المقاومة الشعبية يصول و يجول و يتحرك بفاعلية أكبر على عدة محاور ، و يحقق من وراء هذا التقدم مكاسب ملموسة ، مسترداً بذلك كرامتنا التي سلبت منا تحت أحذية مرتدي الكدمول ، و من شايعهم ، الذين قتلوا و نهبوا و إغتصبوا بإسم الديمقراطية ، و تحقيق المدنية ، و من واقع هذا التحدي و الإصرار على إحراز التقدم ، الذي أتى بحجم الخسائر و الأضرار التي تمثلت في إفقار الشعب السوداني ، و هذا يعكس حجم التضحيات الجسام و الجهود الضخمة التي ظل جنودنا بمختلف مسمياتهم يبذلونها من أجل إسترداد كرامتنا و تحريرنا معنوياً مما حدث لنا من صدمة ، حيث يمثل لنا التحرير المعنوي أكثر أهمية من التحرير المادي ، فاتحين للشعب بهذا الإنجاز الميداني باب الأمل في تحقيق الأهداف المرجوة إن شاء الله ، و من أكبر هذه الانتصارات التي تحققت للشعب السوداني هو حجم اليأس و الإحباط الذي لم تسعه قلوب المخذلين ، و أعداء الوطن في الداخل و الخارج ، و لهذا لابد لنا من الدعم الكافي والتضامن مع الجيش في هذه المرحلة مع إظهار ذلك بصورة واضحة و جلية للعيان ، لأن بذلك سيتم تعزيز الثقة عند الشعب ، و سيرفع الروح المعنوية لدى المقاتلين ، حيث إن كل هذه الانتصارات في محاور الخرطوم أسهمت في رفع الروح الوطنية لدى كافة المواطنين ، و عاكسين بذلك للخارج أقوى رسالة عن مدى قوة و عزيمة الشعب السوداني .

إذن الوقوف مع الجيش في جميع حالاته منتصراً ، أو مهزوماً هو واجب وطني مقدس ، و لا خلاف في ذلك أبداً ، و هذا الوقوف مع قواتنا المسلحة يعزز الجانب المعنوي ، و يعبر عن إبراز الوقود الحقيقي الذي يقود إلى الانتصار ، و يؤدي إلى زيادة التحدي ، و يعكس وحدة الشعب و ولائه لوطنه ، و يجبر أعداء الشعب الذين يتدثرون بغطاء سياسي زائف ليصحو من غفوتهم و ثباتهم العميق ، و خصوصاً أنهم إستخدموا آلة إعلام ضخمة لزرع صورة ذهنية مشوهة عن هذه الحرب من واقع معلومات كاذبة ، أوهموا بها أنفسهم قبل المستهدفين بهذه الدعاية ، و ذلك لأنهم لم تكن في حساباتهم أن هذا الشعب قد عاش مرارات هذه الحرب بكل تفاصيلها الدقيقة ، فهي لم تروى لهم في شكل قصة ، و كما لم يشاهدوها في فلم تلفزيوني ، إنها واقع معاش ، و لهذا من الواجب عليهم أن يعرفوا عظمة هذا الشعب ، و مدى قوتة و عزيمته التي أخرجت من يقاتلون بإسمه ، و تسندها قطاعات الشباب من المقاومة الشعبية، و لهذا من الواجب بمكان أن نكون متضامنين مع قواتنا ، خاصة في هذه الأوقات الصعبة ، حيث يحتاج الجيش في هذه الظروف إلى دعمنا المعنوي القوي و التشجيع اللازم .

في كل الأحوال ، يجب أن نؤكد على أهمية الصمود والتماسك ، لأن هذا هو الدافع الحقيقي الذي يقوي الروح الوطنية ، ويزيد من عزيمة القوات المسلحة ، و حتماً ستنتصر إرادة الشعب ، و قد بات هذا النصر وشيكاً ، و هذا الأمر لا يتحقق إلا بالدعم المباشر من الجميع ، و لهذا من الواجب علينا الوفاء لهذه التضحيات المبذولة من جيشنا ، سواء كانوا في مواقع قوة و تقدم ، أو في مواقع يواجهون فيها صعوبات و تحدي .

و كذلك لابد من الإحتفاظ للشباب بما قدموه من الغالي و النفيس مسترخصين تجاه ذلك حياتهم لنصرة البلاد ، فهم وقود أي إنتصار يتحقق على الأرض ، فإنهم بلا منازع هم الأبطال الحقيقيون ، الذين يستحقون منا كل التقدير والاحترام ، و لهذا يجب علينا أن تُتوج جهودهم بالتقدير العملي من خلال تعزيز مشاركتهم في بناء المستقبل .

تتويج جهودهم لا يعني الاعتراف بتضحياتهم في ميادين القتال فقط ، و أنما يتطلب ذلك توفير الفرص لهم في المجالات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، حتى يتمكنوا من لعب دور فعال في عملية التغيير ، و إحداث تقدم إيجابي في كافة المجالات .

و يجب علينا أن نضمن لهم سماع أصواتهم ، وأن تُعطى لهم المساحات اللازمة لتحقيق رؤاهم وطموحاتهم ، كي يكونوا قادة الغد الذين يساهمون في بناء وطنهم .

و لا شك أن الشباب هم جنود التحرير و رمز التغيير ، و رافعي عزة السودان ، و إن دورهم في المرحلة القادمة لا يقل أهمية من أدوارهم الآن ، و لهذا يجب أن يكونوا في صميم عملية التغيير من خلال استثمار طاقاتهم وأفكارهم ، لأنهم هم المحرك الدافع لكامل المجتمع نحو مستقبل أفضل .

من المؤكد أن هذا التغيير المفاهيمي لسودان ما بعد الحرب يحتاج إلى رؤية واضحة و إرادة قوية ، و هذا لن يتأتى إلا بالعنصر الشبابي بشقيه الأنثوي و الذكوري، فهم الأقدر على قيادة هذه المسيرة ، و عليهم أن يتبنوا روح المبادرة في المستقبل القريب ، و أن يشاركوا بنشاط شديد في الحوار السياسي الذي يتشكل منه المشهد السياسي الحالي ، و مطابخ صنع القرار في البلد ، و لقد قاد هذه التجربة الشبابية بنجاح سعادة الأستاذ عابدين عوض الله والي الولاية الشمالية ، فنجده قد أهتم بتعزيز مشاركة الشباب الفعّالة في حكومته ، فكانت حكومة الشمالية عبارة عن حكومة شابة رشيقة يقودها أميز الشباب من الجنسين ، وسيتأتي أُكلها في القريب العاجل إن شاء الله ، و نريد أن تعمم هذه التجربة في كامل السودان ، لان الشباب هم المخزون الإستراتيجي الذي يمكن به تحقيق كل التطلعات الشعبية و بناء مجتمع أكثر عدلاً ، و ازدهاراً .

و بعد أن تضع الحرب أوزارها ، و يتحقق النصر الكامل ، و هذا سيتحقق في القريب العاجل بإذن الله تعالى ، فمن الضروري أن نتجنب تكرار الأخطاء السابقة ، خاصة فيما يتعلق بتدوير النفايات السياسية التي أثبتت فشلها ، و ما زالت تشكل عبئاً ثقيلاً علي السودان ، و ما زالوا يستنجدون بالأجنبي لمزيد من الضغوطات على بلادنا ، و يكيفنا ما يحدث لنا الآن من تقاطعات زادت من أمد الحرب ، و لهذا يجب أن يكون الشعب واعياً تماماً لأهمية بناء نظام سياسي جديد يعتمد على كفاءة الشباب الذين يتمتعون بنشر ثقافة السلام و نبذ خطاب الكراهية و أقرار مبدأ الشفافية و المساءلة ، و لهذا نجد جمال السودان يرجع لجمال تعدد الموروث الثقافي والمجتمعي اللذان يشكلان لوحة زاهية الألوان .

و الله من وراء القصد