إبراهيم شقلاوي.
المراقب للمجريات الحرب في السودان لابد أن يقرأ بين سطورها بدقة ليكتشف أن هذه الحرب التي اشعلتها قوات الدعم السريع المتمردة في منتصف أبريل من العام الماضي بدعم إقليمي ودولي وإسناد سياسي من بعض القوى السياسية الداخلية.، كانت ذات أهداف متعددة تكتيكية وإستراتيجية.، أما التكتيكية كانت الحديث عن المظالم والتهميش ودولة 56 ومحاربة الفلول وإستعادة الديمقراطية أرجو أن تلاحظوا معي أن الدعم السريع يقول أنه معتدى عليه في هذه الحرب ولم يبدأها، إذا كيف تبلورت هذه الأهداف بهذه السرعة في العقل الأمني والعسكري والسياسي لهذه القوات وداعميها، إذا لم يكن هناك تخطيط مسبق وأهداف معلومة و موضوعة يجب بلوغها، في أدنى تمثلات هذه الحرب، تلك يمكننا أن نطلق عليها إجمالا أهداف تكتيكية، أما الأهداف الاستراتيجية فهي ربما لاعلاقة لها بهذه القوات المتمردة أو بحاضنتها السياسية فهي أهداف ضمن الرؤية الكلية الإستراتيجية لتشكيل السودان وهنا يجب أن نأخذ في الإعتبار الوضع الجيواستراتيجي الذي يتمتع به السودان 470 كيلو متر تقريبا على ساحل البحر الأحمر، فضلا عن المياه العذبة والأراضى السهلية المنبسطة والثروة الحيوانية والمعادن على رأسها الذهب واليورانيوم والحديد والنحاس وغيرها، بالنظر لفقر البلاد وفساد بعض الأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحكم، وفشل النخب السياسية على التوافق حول إدارة الدولة وإرتماء بعضها في أحضان المستعمرين الجدد ، هذا الموقع المميز والثروات الضخمة تمثل مطمع إقليمي ودولي، لكن ظلت هناك عقبتين كؤد بالنسبة للطامعين، أولها أن المجتمع السوداني ملتزم بقيم الدين فطريا والعاطفة الدينية بالغة ذروتها في حياته الإجتماعية كما أنه شبه محصن ضد الاستلاب الفكري والثقافي، الثانية طبيعي أن مجمتعا بهذه المواصفات ينتج جيشا يمثل هذه القيم باعتبار أن الجيش أغلبه من أبناء الريف الذين تربوا في داخل هذه الحواضن الإجتماعية المحافظة التي تدرك أهمية السلوك القويم وقيم التدين في حياة الأفراد والمجتمعات، ظني أن هذه المعادلة أنتجت هذا الجيش الذي نراه الآن . جيش يعبر عن قيم شعبة ولا علاقة له بالتطرف الديني أو الإسلامفوبيا كما يزعمون ، لكن للأسف الكيد السياسي بين الأحزاب والتنافس غير الشريف بينها جعلها تستخدم كل أشكال الدعاية السالبة والمثيرة لحفيظة الآخرين بوصف الجيش أنه يمثل الإسلام السياسي والتطرف الديني وغير ذلك من الادعاءات التي تطرب لها بعض الأذان المتربصة لتتحرك تحركات سالبه تجاه السودان مخافة تأثيره في جواره الأفريقي ومحيطه العربي ، على هذه الفرضيات قامت إستراتيجية الحرب والتي أعتمدت الإنقلاب لأجل التخلص من الجيش وإعادة صياغة المجتمع السوداني بما يضمن تماهيه مع قيم وثقافة الغرب ، هذا ما اقرأه ضمن الاتفاق الإطاري ودستور المحامين الذين كانوا يعملون على فرضهما عبر آلية الأمم المتحدة عبر مبعوثها فولكر وعبر الرباعية الدولية التي أخذت تفويضها من نفسها ، مستقلة قبول قوى الحرية والتغيير لهذا التفويض وهذا الواقع الذي كانوا ياملؤن أن يمكنهم لاحقا من حكم البلاد وتنفيذ ما ذكرناه آنفا ، هكذا هي معادلة الحرب والتي بدأت تتطور في هذا الإتجاه بعد أن أفشل الشعب السوداني والجيش أهدافها التكتيكية الأولية، الآن نمضي بصورة متدرجة نحو أهدافها الإستراتيجية وهي ربما المواجهة مع الأصلاء بعد أن أفشل الشعب السوداني وجيشه مرحلة الوكلاء ، هذه المرحلة الجديدة بدأت مظاهرها تتشكل في وضوح وهي تمثل الأهداف الاستراتيجية الحقيقية للحرب كما أوضحنا، رأينا ذلك في بيانات تنسيقية القوى الديمقراطية التي أوجعها انتصار وانتشار وسيطرة الجيش على عدد من المحاور عشية الخميس الماضي، حيث أخرجت تقدم تصريح صحفي على لسان ناطقها الرسمي بكري الجاك حول مقتل مدنيين خارج القانون في الحلفايا في مدينة بحري معتمدة في ذلك حسب البيان على مواقع التواصل الاجتماعي اضعف انواع المصادر والذي قال فيه ( إنتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي مقاطع فيديو تُظهر مجموعات تقاتل في صفوف الجيش تعلن بعد دخولها منطقة الحلفايا بالخرطوم بحري عن تصفـية وقتـل مدنيين خارج نطاق القانون ، أظهرت المعلومات الأولية المتاحةحتى الآن حدوث قتل لمدنيين من خلال تنفيذعمليات إعدام خارج نطاق القانون طالت عشرات المدنيين)، من جانبه نفى المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله ، ارتكاب عناصر تابعة له تصفيات جسدية طالت عشرات الناشطين في العمل الطوعي بالخرطوم بحري ، بزعم تعاونهم مع قوات الدعم السريع ، و(أكد أن ما يتداول بشأن تورط الجيش في تصفية متطوعين بالعمل الإنساني بمنطقة بحري مجرد أكاذيب وتلفيقات درجت المليشيا وأعوانهم من السياسيين على ترويجها” وإتهم نبيل تحالف القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” بالوقوف وراء الحملة التي قال إنها تستهدف الجيش السوداني،. وأشار إلى أن هذا التحالف يتبنى أكاذيب المليشيا المتمردة – في إشارة إلى قوات الدعم السريع – ويتجاهل الانتهاكات والفظائع التي يرتكبها حلفاؤهم في مليشيا آل دقلو الإرهابية، بينما يروج الأكاذيب بشأن القوات المسلحة). هذا البيان الذي أوردته تقدم يؤكد مدى التآمر على البلاد الذي ظلت تقوم به منذ اندلاع الحرب حيث أنها تمضي تجاه تعبيد الطريق لحياكة وصفات متعلقة بالارهاب وممارسة التطرف الديني في الحرب ذلك ظني ليس له علاقة بواقع الحرب بقدر ما أنه يمثل ابتزاز سياسي وخضوع للأجندة الاستراتيجية الإقليمية التي تحاول نقل الحرب من مرحل تمرد قوات حاولت الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري إلى مرحلة أن هذا الجيش جيش متطرفيين يقاتل في صفوفه متطرفون يقومون بممارسات إرهابية وهكذا، لتخويف العالم من مايجري في السودان وحمله على التدخل الدولي بدعوي حماية المدنيين، حيث مضت من قبل لجنة التحقيقات الأممية على نسق ذات الاجندة ، ليس بعيدا عن ذلك تحدث المبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو أمس الأربعاء، خلال لقاء مجموعة محدودة من ممثلين عن المجتمع المدني حسب جريدة الشرق الأوسط في العاصمة الكينية نيروبي، من بينهم مراسلها حيث قال (فتحنا قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي بخصوص تهيئته لإعداد وتجهيز قوات للتدخل، بهدف حماية المدنيين في السودان، لكنه أحجم عن الكشف عن الوقت المحدد لذلك، مشيراً إلى أن الجيش السوداني أصبح أكثر عدائية وتطرفاً تجاه العودة إلى نظام ديمقراطي مدني، وبدأ واضحاً أنه يعمل على العودة بالبلاد إلى فترة أخرى من الحكم الديكتاتوري، كما أوضح بيرييلو أن الجيش يسعى عبر الدعم الذي يحصل عليه من الجماعات الإسلامية، التي تقاتل إلى جانبه، إلى إنهاء الحرب بتحقيق النصر كاملاً، وهذا ليس ممكنا ) هذا الحديث المجافي للواقع والعدائي تجاه السودانيين و جيشهم وجد استنكارا واسعا من القوى السياسية السودانية والمدنية حيث أن هذه التصريحات حسب مراقبين وقادة رأي وصفت بأنها لاتخدم قضية وقف الحرب بقدر ما أنها تؤجج الصراع ، وتعمل على إنفاذ إستراتيجية الحرب الرامية للتخلص من القوى السياسية الوطنية مقابل التمكين للقوى السياسية المتآمرة على البلاد والتي ساهمت في إشعال الحرب.، عليه يظل وجه الحقيقة في أهمية أن يعي المبعوث الأمريكي تصريحاته بعد أن حملت الأخبار أنه ينوي زيارة السودان على رأس وفد في أكتوبر الجاري لأجل بحث قضية وقف الحرب وإستعادة الأمن والسلام للسودانيين، هذه الزيارة والتي سبقها قرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية( جو بايدن) برفع السودان من قائمة العقوبات استبشر السودانيون خيرا وأخذوا يأملون في تعاون مثمر ومشترك بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية يقوم على احترام السيادة الوطنية والمصالح المشتركة بين البلدين..دون فرض وصاية أو شيطنة للجيش أو الشعب.
دمتم بخير وعافية.
الخميس 3 اكتوبر 2024 م. [email protected]