ماهي دلالات إعلان البنك قراره، والعملة المعنية بالتغيير مازالت في طور الطباعة؟..

تأثيرات متوقعة للقرار في حماية العملة واستقرار سعرها، وخفض معدلات التضخم..

دكتورة رؤى: يصعب إعادة الثقة في القطاع المصرفي، ومعالجة المشاكل مرتبطة بوقف الحرب..

دكتور هيثم: لابد من خلق محفزات الإنتاج، ودوران عجلته من جديد..

مناشدة للمواطنين بإسناد قرار المركزي والمسارعة بإيداع أموالهم انتصاراً للإرادة الوطنية..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

وأطلق بنك السودان المركزي رصاصة الرحمة في قلب العملة الوطنية فئة الألف والخمسمائة جنيه، وأعلن بنك المركزي عزمه طرح عملة نقدية جديدة لفئة الألف جنيه خلال الفترة القادمة، وأثار القرار لغطاً كثيفاً في الشارع السوداني وقتلته منصات التواصل الاجتماعي بحثاً، فيما ارتسمت علامات التعجب والدهشة على وجوه الكثير من الاقتصاديين عطفاً على توقيت القرار الذي يرونه قد جاء متأخراً أكثر من ثمانية عشر شهراً، باعتبار أن أكثر من 90% من العملة المعنية أصبحت في يدي الميليشيا المتمردة منذ بواكير الحرب، حيث كان يفترض أن يتخذ بنك السودان المركزي هذه الخطوة منذ انتقاله إلى العاصمة الإدارية المؤقتة في مدينة بورتسودان في الأسبوع الأول من شهر مايو في العام 2023م، ويقول خبراء اقتصاديون إن إعلان بنك السودان المركزي أنه بصدد أو يعتزم تغيير العملة، ولم يقم بطرحها بعد، يدلُّ على أن البنك المركزي يعاني من شح في العملة الوطنية ويسعى بهذا الإعلان إلى جذب الأموال السائلة والمدخّرة، وتشجيع حامليها على إيداعها في البنوك والمصارف، وكسر جمود عدم الإحجام عن الإيداع والذي مارسه العملاء لحاجة في نفس يعقوب.

فكـرة منطقية:
بنك السودان المركزي الذي استند في اتخاذ قرار تعديل العملة إلى سلطاته واختصاصاته الواردة في قانونه لسنة 2002م، قال إن الخطوة تأتي في إطار مسؤولياته لحماية العملة الوطنية واستقرار سعر صرفها، بالإضافة إلى المساهمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، خاصة بعد الآثار السلبية الناتجة عن الحرب الدائرة في البلاد، ويعد تحقيق الاستقرار الاقتصادي ودعم النمو الاقتصادي وتحقيق انطلاقة جديدة له من أهم العوامل التي تدفع الدول للتفكير في عملية تغيير العملة الرسمية، وفي ظل الظروف الأمنية بالغة التعقيد التي يرزح تحت وطأتها السودان خاصة مع انتشار العملة المزورة التي ساهمت بشكل متعاظم في الارتفاع المطرد للتضخم، فإن محاولة تغيير العملة الوطنية تصبح فكرة منطقية ارتكازاً على رغبة الدولة في تنمية وتطوير نظام الأمن الخاص بالعملات الوطنية من خلال إضافة أحدث معايير الحماية والأمان لمستخدمي ومالكي الأوراق النقدية عن طريق تعقيد ومحاصرة عملية تزويير هذه العملات، حيث يسعى بنك السودان المركزي إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة والمتطورة في مشروع طباعة العملة الجديدة من فئة الألف جنيه والخمسمائة جنيه.

مقاصد القرار:
قطعاً أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي مطلقاً، هكذا يبدو لسان حال بنك السودان المركزي وهو يعتزم تغيير العملة الوطنية فئة الألف جنيه، في محاولة لتجاوز العديد من المطبات التي وقعت فيها طائرة الاقتصاد السوداني خلال فترة الحرب، إذ يسعى البنك المركزي وبحسب مراقبين إلى إعادة السيرة الأولى لقوة العملة الوطنية باعتبار أن قوة العملة الوطنية تعتبر مؤشراً مهماً على استقرار الاقتصاد وقدرته التنافسية على الساحة العالمية، ويسعى البنك المركزي إلى تقوية اقتصاده الوطني في محاولة جادة وجريئة لمواجهة التداعيات السلبية الكبيرة التي أفرزتها الحرب، رغم صعوبة الأمر في ظل ما يقول به الكثير من المراقبين، ذلك أن قوة العملة الوطنية تقاس بعدة معايير من أبرزها القوة الشرائية للعملة عند تداولها من خلال بعض المنتجات أو مقابل عملات أخرى، وهو الأمر الذي يصعب قراءته في ظل الظروف الحالية التي تجابه السودان، ومن المعايير أيضاً أهمية قيمة العملة الوطنية كعامل مهم ومؤثر في تحديد الأسعار على مستوى التجارة الدولية، باعتبار أن يد تأثيرات قيمة العملة الوطنية ستمتد لتشد بقوة وبشكل مباشر على أسعار السلع المتداولة باستخدام تلك العملة الجديدة، وقد يؤدي ارتفاع قيمة العملة الوطنية إلى انخفاض السعر الحقيقي للمواد المستوردة، مما يعني أن خفض قيمة العملة الوطنية يتسق طردياً مع ارتفاع أسعار الواردات.

كتلة نقدية وليست شح:
والواقع أن العملة القوية تساعد في السيطرة على التضخم عن طريق خفض تكاليف الإنتاج من خلال الواردات الأرخص، وهو ما تسعى الحكومة لتحقيقه بخطوة تغيير العملة، وتشير أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السودان للعلوم المصرفية والمالية، دكتور رؤى عبد الرحمن إبراهيم في إفادتها للكرامة إلى وجود زيادة حقيقية في عرض النقود أو الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي وليس شح، وزادت” توجد كمية كبيرة من النقود بين أيدي المواطنين، هذا فضلاً عن التداعيات السلبية لنهب وسرقة البنوك، ونتيجة لذلك طرأت زيادة في المضاربات مما أدي إلى جموح وارتفاع في معدل التضخم، الذي أدى بدوره إلى انفلات العملة الأجنبية التي افترست العملة الوطنية لتسجل الأخيرة تراجعاً تأريخياً غير مسبوق فقدت بموجبه قيمتها، وقالت دكتورة إن معالجة مشكلة التضخم في السودان، تكمن في عدة طرق من بينها جمع النقود من أيدي الجمهور عبر طرح أوراق مالية في الأسواق المالية، مبينة أن تغيير العملة الوطنية في وضع السودان الراهن، يعتبر الحل الأفضل، إذ يتم عن طريق هذه الخطوة السيطرة على الكتلة النقدية خارج النظام الصرفي، مما ينعكس ذلك إيجاباً على زيادة الإيرادات الضريبية، وأقرّت دكتورة رؤى بصعوبة إعادة الثقة في القطاع المصرفي في الوقت الراهن في ظل استمرار الحرب، مؤكدة أن الحل الوحيد لكل المشاكل الاقتصادية الماثلة يرتبط ارتباطاً وثيقاً جداً بوقف الحرب.

خلق محفزات للإنتاج:
ويؤكد المحلل الاقتصادي دكتور هيثم فتحي أن الاقتصاد السوداني ظل يعاني خلال فترة هذه الحرب من شبه توقف في الإنتاج، وقلة المعروض السلعي المحلي، وقال في إفادته للكرامة إن أية زيادة في كمية النقود سيقابلها بلا شك ارتفاع في مستوى الأسعار داخل الاقتصاد الوطني، وهذا ما ظل يشهده واقع الاقتصاد في البلاد، ورأى دكتور فتحي أنه وبدلاً من معالجة مشكلة النقص في الإيرادات العامة، بالتمويل بالعجز “الاستدانة من المصرف عن طريق إصدارات نقدية جديدة”،
لابد من خلق محفزات الإنتاج، ودوران عجلته من جديد، لتقوية الجهاز الإنتاجي، بما يعيد القدرة على إعادة بناء هيكلية جديدة للسياسات النقدية، باتجاه قيامها بدورها الاقتصادي، في الدفع نحو إحداث توازنات حقيقية في معدلات الإنتاج والتشغيل، والتوسع في الاستثمار، وقيام النقد بوظائفه الرئيسية، كمخزن للثروة ومعادل عام للقيم في السوق، ودعا دكتور هيثم إلى ضرورة البحث في إمكانيات زيادة الإيرادات المالية للدولة، من منابع حقيقية، كزيادة حجم التحصيلات من الضرائب، والرسوم، والفوائض الاقتصادية للشركات العامة؛ التابعة للدولة.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فقد اتخذ بنك السودان المركزي القرار الشجاع رغم تأخر توقيته ولكنها الخطوة الموضوعية وفقاً لمنطقية الواقع والظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وبالتالي فإن ضمير الواجب الوطني يملي على الشعب السوداني الواعي بمطلوبات المرحلة وضروريات معركة الكرامة، أن يساند ويدعم توجه البنك المركزي بالتخلص من العملة المعنية والمسارعة بإيداعها في البنوك والمصارف، انحيازاً للإرادة الوطنية، وانتصاراً للمقاومة الشعبية التي تتوق إلى هزيمة ميليشيا الدعم السريع، وسحقها في ميدان الاقتصاد، مثلما يفعل الجيش الذي يقترب من جني ثمار الحصاد.