رشان أوشيرشان أوشي

رشان اوشي

أحداث ١٥/ابريل، أثبتت أن بلادنا أمضت ما لايقل عن خمس سنوات من العبث، والأكاذيب الصارخة، التي كلّفتنا أرواحاً و أموالاً، و تدميراً للبنى التحتية ونسيجنا الاجتماعي ، تحت شعارات واهية.

خلال الشهرين الاوائل للحرب ، بينما كانت المليشيا في قمة قوتها ، الآلاف المقاتلين ، الآلاف السيارات المقاتلة ، السلاح والذخائر متوفرين بكثرة ، وفي ذات الوقت الجيش كان في موقف لا يحسد عليه ، والصدمة تسلب عقول الجميع ، نجح الجنرالات العظماء (اللواء ركن ابوبكر فقيري) الخبير في التفاوض والقانون الدولي ،(الفريق بحري محجوب بشرى) صاحب العقل اليقظ واركان حربهم في الوصول إلى ( اتّفاق الإقرار بالذنب) ، الذي وقّعت عليه المليشيات في جدة، مايو/٢٠٢٣م .

والعبث الآخر، وطوال السنوات الماضية ، هو ما نراه الآن في الصراع على إثر حرب السودان ، حيث ثبت لنا أنه لا قوة سياسية وطنية تقاوم مع شعبها العدوان ، ليس لديها الشجاعة للثبات على موقف واحد ولا يمكنها أن تقدم خطاباً وطنياً، بل حاول بعض القادة السياسيين انتهاز الفرصة للحصول على مغانم ، كرئيس الحزب الذي غادر القاهرة إلى بورتسودان مطالباً بمنحه منصب رئيس الوزراء ، وعندما رفضت القيادة بحجة أنها لا يمكن أن تتحالف مع حزب سياسي وتمنحه حق تشكيل حكومة دون مشاركة الآخرين ، تغير موقفه إلى النقيض تماماً، بعد ان كان من عرابي خطاب “بل بس” ، تحول بقدرة قادر إلى “حمامة سلام” .

محاولة اغتيال “البرهان ” بواسطة مسيرات المليشيا بمنطقة “جبيت” تؤكد أن المليشيات لا علاقة لها بقيمة السلام ، وان “حميدتي” ليس رجل سلام، ولا امريكا فعلياً قادرة على تحقيق السلام، فالقتل بالنسبة ل”ال دقلو” أسهل من توقيع اتفاقية سلام، والتخطيط للقتل أسهل لهم من مفاوضات سلام.

وبالنسبة للولايات المتحدة ، فإن الثابت أنها لا تستطيع تغيير معادلة الحرب إلى السلام في السودان ، وإنما مقدرتها الأساسية هي ممارسة الضغوط الإعلامية والسياسية ، وانتهاز الفرص لتحقيق مكاسب لها ، وليس مواجهة مليشيات “حميدتي” ، وإن نجحت في الضغط على النظام السوداني بالجلوس والتفاوض ،فإن ذلك لا يغير شيئاً بموازين القوى، ومعادلات الحرب ، والأمر نفسه ينطبق على قيادة المليشيا التي أقدمت على الحرب دون تقدير للعواقب.

إذن، ما الذي يحدث؟ الإجابة المختصرة أن أمريكا في مأزق، فقد كان اتجاه السودان للتحالف مع الروس مرة أخرى على غرار تجربة سابقة بمثابة إذلال كبير لنظام يزعم أنه القوة العظمى ، وجعل التحالف الروسي_ السوداني، الولايات المتحدة ترتجف مثل أوراق الخريف.

الجيش وقيادته لن يوقعوا على اتفاق سلام بمفهوم “حميدتي” وشركاؤه وداعميه، حتى وان قاتلوا مائة عام، أن جلسوا للتفاوض في جنيف أو “الواغ الواغ” لن يغادروا محطة بنود اتفاق المبادئ في “جدة” الذي ينص على استسلام المليشيات .

لن يفرط “البرهان” في حقوق الشعب المنكوب ، ولن يقبل بأن تعود المليشيات وقيادتها إلى المشهد السياسي الوطني ، خاصة بعد أن أصبح الزعيم الأكثر شجاعة وحكمة وشعبية بين زعماء جبهة المقاومة في السودان.

المريح في الأمر أن أعضاء وفد التفاوض مع الولايات المتحدة بجدة هم شخصيات موثوق بوطنيتها، وإمكانياتها التفاوضية ، كوزير المعادن “محمد بشير ابو نمو” كان كبير مفاوضي حركة تحرير السودان بمفاوضات “جوبا” ، له تجارب ناجحة ، مشهود له بالمواقف الوطنية والكفاءة، أما الجنرالين “بشرى” و”فقيري” فقد تحدثت عن امكانياتهم و ولاءهم الوطني اتفاقية المبادئ بجدة .

لن يحقق أي اتفاق موقع عليه مع “ال دقلو” اي نتائج على أرض المعركة ، لأن المليشيات لم تعد كما كانت يوم ١٥/ابريل ، فقد أسس “كيكل” مملكته في الجزيرة وسنار ، و”جلحة” في كردفان ، لم يتبق ل “ال دقلو ” سوى دارفور وهذه أيضاً مسرح مشترك تنافسهم عليه “قوى الكفاح المسلح” التي وجدت فرصتها التاريخية في الثأر .

ستذهب الوفود إلى “جدة” ، و”جنيف” وستعود وكأن شيئاً لم يكن ، لأن الأمر خرج عن يد الجميع ، بمن فيهم الجيش السوداني الذي يعلم علم اليقين الا خيارات أمامه سوى القتال وتحرير كل شبر بأرض السودان ، فالشعب لن يقبل “ال دقلو” في مفاصل الدولة مرة أخرى .

كما أن “المقاومة” لن تتوقف عن القتال دفاعاً عن الأرض والعرض .
محبتي واحترامي