*كتب : مرتضى جلال الدين*
قرأت كتاباً لـ (مايلز كوبلاند) أحد مؤسسي وكالة الأستخبارات المركزية الأمريكية وأعمدتها بعنوانـ (لعبة الامم)، وقد أبرز خلاله المنهج الأمريكي العلاقات الخارجية بتصوير الأمم وقادتها كقطع (شطرنج) تحركها وزارة الخارجية الأمريكية بحسب سيناريوهات (مُصمّمة) وفق أهداف السياسة الامريكية فى العالم، منتهاها تغيّر الحكام وسياسات دولهم خدمة للمصالح الأمريكية العليا والدنيا بشتئ الطرق ومهما تضرر منها الغير!
و عملياً فإن لعبة الشطرنج تفسر النظرية الأمريكية هذه. فموت الملك ( الرئيس) هو (نهاية اللعبة)، مما يعنى اللعب من البداية بخطة جديدة وتغيّر فى السياسيات.
و هذا المنهج و السياسة الأمريكية يجسدها سلوك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع السعوديين (كنموزج) قريب، عندما قال لهم: (عليكم أن تدفعوا لاننا نحميكم أو لن تستطيعوا الصمود فى الحكم أكثر من أسبوعين)!
© محاولة إغتيال البرهان ولعبة الأمم؟!
قريباً من هذا وعطفاً على التقدمة أعلاة، فإن محاولة (قتل) الرئيس البرهان بـ (جبيت) والتى تدخّل فيها (القدر لإنقاذه) تُرجِعُوني الى كتابٍ أخر أعِدتُ قرأتِهِ مرات، بعنوانـ (فى قلب العاصفة) للمدير الأسبق لوكالة الإستخبارات الأمريكية الـ (CIA) جورج تنيت، يقول فى أحد فصوله: (إن الإغتيالات أعمال تقوم بها العصابات فيما بينها أو ضد أهداف قد تكون غير ذات صلة، أما ما تجريه الوكالة فهى أحكام بـ (الإعدام) مجازة بحق من يثبت عليهم فرداً أو جماعةً أنهم يقومون، أو ينون القيام بأفعال تحمل فى باطنها إرهاباً أو تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة الأمريكية وأمنها).
قياسا عليه، فمصطلح (الإعدام) رديفاً لـ (الإغتيال) هو التوصيف الرسمي لعمليات القتل خارج دائرة القانون والتى تجريها وكالة الأستخبارات الامريكية.
لقد دونتُ أسباباً ببيانات فى عدة تقارير ومقالات بعنوانـ (سيقتلون الرئيس البرهان قريباً) !! وهي من مصادر متعددة. و وقتذاك كان الموقف لايتعدى فى مفهومي و بالحيثيات المتاحة إن ما يُخطط له هو (الإغتيال) بحسب تعريف الـ (CIA) لمفهوم (الإغتيال والإعدام).
فموت البرهان وقتها كان (مطلباً ملحاً) عند من ينطبق عليهم التوصيف بـ (العصابات)، فهم دويلة الأمارات وكذلك حفنة من المرتزقة من الحكام فى الأقليم ومرتزقة أحزاب سياسية سودانية وقوات المليشيا وذلك بسبب تصدي السودان للنشاطات الأماراتية خارج القانون. إضافة للوضع السياسي الداخلي فى السودان و مصالح بعض الكارتيلات السياسية.
© السؤال الأبرز: هل ما حدث كان محاولة إغتيال أم حكم بالإعدام على الرئيس البرهان؟؟!!
إن ما حدث بـ(جبيت) لا يمكن ربطه بالحرب فى السودان أو بالدعم السريع أو الهالك حميدتي أو ولي عهده عبدالرحيم (منفصلاً) عن المستجدات التى تجرى الأن فى(السودان والعالم)، و التى ربما تنقل ماحدث من خانة (الإغتيال) الى خانة (الإعدام) تجاه الرئيس البرهان (بحسب) توصيف الـ (CIA) .
الأن، وقد شارفت الحرب التى يخوضها الشعب السوداني ضد الغزاة المحتلين خواتيمها، يبين للكثيرين أن الدعم السريع (الأن) ليس فى قائمة أهتمام الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أن نشئة (الطفل المعجزة) حميدتي الى وقت هلاكه تداخلت فيها المصالح الأوربية مع قضية الهجرة المسماة (غير شرعية) وإعادة توطين المبعدين منهم كسابقة ليبريا، كما تلتها المصالح الإماراتية السعودية (عاصفة الحزم)، وقبل ذلك كله نظام البشير الذى أوجده، ثم قحت جناحه السياسي مؤخراً. و ظاهر الحال أنه ليست لأمريكا مصلحة (ظاهرة) أو تواصلاً مباشراً مع حميدتي و الدعم السريع ماضيا أو حاضرا. فعداء أمريكا للسودان هو (من قديم)، ولم يكن (حميدتي) يوماً جزءً منه ولن يكُون أحد أسبابه مستقبلاً.
أما الأن فإن مستجدات الساحة الدولية تجعل من الأمارات وما تبقى من الغزاة مجرد بيادق فى رقعة الشطرنج الأمريكية وغطاء للتدخل الأمريكي الغربي فى السودان الأن. فالحاجة الي هؤلاء (مؤقتة) ستزول حال تم إغتيال الرئيس البرهان. و ليبدو الأمر مرتبطا بما يجري فى السودان ومتعلقاً بالمليشيا وأدواتها أستخدمت المسيرة التى تستخدمها المليشيات فى عملياتها وهو إخراج بصري إستخباراتي أمريكي للمشهد، مبنياً على ما سنحلله و نرغب بتخيله وتصديقه، ولكن مضمونه (إعداماً) تنفذه العصابات لصالح أمريكا وكالةً.
© إذاً ماهى المستجدات التى تجعل محاولة قتل البرهان تنفيزاً لحكم أمريكي بالإعدام وليست محاولة إغتيال؟!
كثيرةً هى المستجدات فى الشأن السوداني، و (يُظهِرُ) جزءً منها التصريحات التى أدلى بها الفريق ياسر العطاء للإعلام قبل أيام، بأن السودان على وشك أن يعقد حلفاً سياسياً إستراتيجياً من دول فى الإقليم و أخرى خارجه، و هذا الجزء والذى اظهره التصريح، هو الإصرار القديم الجديد للسودان على مساعدة نفسه عبر إدخال عدو الغرب الاول (روسيا) وعدو أمريكا وكابوس أحلامها والذى يتدخل (حيثُ شاع) فى تغيّر نتائج الإنتخابات لديها الى أفريقيا، و (عبر بوابة البحر الأحمر). عليه فأن مايقوم به البرهان وطاقمه بالتحالف مع الروس يقعُ (حرفياً) فى دائرة التهديد لأمن الولايات المتحدة الأمريكية المفضى الى إصدار أحكام الإعدام (بِفاعِلِهِ) بحسب تعريف وكالة الإستخبارات الامريكية!!
إذ ليس سراً، فإن العداء (الروسي الأمريكي الغربي) حالياً و بعد الحرب الروسية الأوكرانية الأوربية والتى بدأت تؤثر فعلياً على الأقتصادي الغربي والأمريكي قد بلغت مداً مُنعت لأجله روسيا من المشاركة فى أولمبياد 2024 بفرنسا التى تجري الأن!
غيرُ ذلك من حيثيات، فقد تكررت الأقوال و (الأفعال) من المسؤولين السودانيين قبل اليوم بحثاً عن السلاح، وتكررت الزيارات الى روسيا وايران وقريبا تركيا وقطر والصين وهذه التحركات (قطعياً) سبباً للتهافت الغربي بقيادة أمريكا لنقل مقر المفاوضات الى (سويسرة أوربا) بديلا عن (جدة السعودية).
وليس مستغرباً أن تنتقل الولايات المتحدة
الأمريكية من مربع العصا بعد الإتصال الغير موفق لوزير خارجيتها بلنكن بالرئيس البرهان ومحاولة تهديده، الى مربع الجزرة وتوسيط الخارجية السعودية (إن كان هذه ماحدث) وربما أبي احمد كذلك قد فعل، ثم إتصال محمد بن زايد المشهور وأخيراً رغبة الإدارة الامريكية بزاتها الحصول على مجرد فرصة على إنفراد مع البرهان فى مطار بورتسودان. إن كل هذا يقول أن ما يجري لايمكن أن يكون لغرض إنقاذ الأمارات أو الدعم السريع أو قحت.
© لماذا سعت أمريكا لـ ( إغتيال) الرئيس البرهان؟؟
يتضِح، أن الإتصالات الأمريكية الغربية الآنفة بالبرهان، إنما هى لمحاولة الجلوس والحديث اليه لإثناءه عن المضى فيما يُعدُ تهديدا للأمن القومي الأمريكي والأوربي وهو السير خلف روسيا، و إيجاد مخرج للعميل الأماراتي عبر تسوية مرضية للسودان لاتُجرم الأمارات و تُفضِى الى (إيقاف التوغل الروسي فى السودان) وفوراً!
وقد فشلوا (وقتذاك) فى إنتزاع قبول السودان بالذهاب الى سويسرا بحسب بيان الخارجية السودانية المسبب.
و عطفاً على فشل الوسطاء و تسارع خطوات الغول الروسي الى القدوم الى أفريقيا يتضح ان تقيم الأستخبارات الأمريكية الأخير هو الخطوة الحاسمة قتل (الملك) و تأخير قدوم الروس الى البحر الأحمر الى أجل غير مسمي.
© تلوُّن الموقف الامريكي ولماذا محادثات سويسرا؟
إن المنهج الذى إتبعه السودان لتجريم الأمارات داخل مؤسسات الأمم المتحدة قد أظهر بوضوح تورط دولة الأمارات فى الحرب السودانية وقيادتها أضافة الى تقرير لجنة الخبراء الأممين المستقلين، مما أصبح معه مشروع قرار الإدانة معنوياً قد صدر من عضوية مجلس الأمن ولكن ما يمنع صدوره عملياً هو نفوز الأمارات داخل مجلس الأمن عبر تكتلات المحاور الدولية وهو ما يعني أن قراراً مشابهاً لن يصدر قط لإدانة الأمارات ولكن بالضرورة سيسبب وضعاً مخلاً داخل المجلس لا ترغب فيه أمريكا. أيضاً فإن إستمرار هذا الوضع داخل مجلس الأمن بالتأكيد سيدفع بالسودان الى الإصرار الى التوجة شرقاً وهو مايزعج أمريكا، عليه لابد من حل المشكل الأماراتي المتسبب فى تواجد الروس فى السودان، ولإجل إقناع السودان بالقفز من سفينة موسكو حيث أصبح الرابط بينهما من القوة ما يستدعي تذلف الغرب وأمريكا للسودان لطي ملف الأمارات خارج مجلس الأمن.
لذا تعمل أمريكا على جر السودان خارج مجلس الأمن لإجراء تسوية مرضيةً لاتشمل إدانة الأمارات وهذا يتجلى فى محاولة إعطاء أبوظبي الفرصة لتلعب دور الشاهد أو (عضو هيئة المحلفين) وليس المتهم وذلك بحضورها الى المفاوضات بصفة المراقب وليس المجرم؟
ولو وافق السودان على الذهاب ومشاركة الأمارات بالصفة المزكورة، فسيخسر السودان نقاط أساسية فى إثباته دور الأمارات فى قتل السودانيين عبر رعايتها لحميدتي والدعم السريع، و ليس أمام القيادة السودانية الأن إلا الإستمرار فى القتال حتى تتحسن فرص إصطياد الأمارات كلياً دون ترك ممراً لها للخروج والهروب من الإدانة، فهى من وجب عليها دفع فاتورة أفعالها.
السؤال الأهم والأخطر: هل (يعى) السودان بأهميته فى هذا الصراع الروسي الأمريكي الغربي القائم الأن؟
إن الوضع الدولي وألإستقطاب العالمي وموقف السودان السياسي الأن جعل من السودان محوراً مهماً و مزعجاً و خطراً ومشاركاً فى تعديل الكفة والموازين فى هذا الصراع الممتد والمتكرر.
إن إعادة ترتيب مراكز القوى فى القارة يجب أن يبدأ من الحرب السودانية القائمة الأن إذا فكر قادة السودان خارج صندوق (الدعم السريع)، فالسودان أصبح جزءً من حرب كونية، فهل قرأ قادة السودان المشهد من علٍ؟ و هل يعلم قادة السودان أنه بأستطاعتهم تطويع الظرف الدولي الآني للنهوض بالسودان خمسون سنة ضوئية أمام الآخرين؟ هل يعلمون ماساقه اليهم القدر؟
إن الوضع الدولي الراهن سيستمر لفترة أطول، فروسيا عازمة على قلب الطاولة فى افريقيا نهائياً لصالحها مقابل فقدها لاوربا ولو (جزئياً الأن) ، وهذا نظرياً يجعلها فى وضع لايمكن معه أن ترفض طلباً للسودان اذا كان ذلك سيحافظ على القيادة (الحالية الداعمة لها) والتى ستجعل من وجودها فى القارة مؤكدا ومحمي بواقع وجودها فى البحر الأحمر بشكل دأئم.
فالروس يُريدون قفل (حنفية) الموارد الافريقية لخنق إقتصاد أوربا وأمريكا و خلق وضع تفاوض أفضل لـ (تسويات مستقبلية) وسيتخذون السودان مدخلاً.
ما يجب على السودان الأن:
على السودان أن يعلم إذا قرر الإستمرار فى هذا الإتجاه أن عليه أن ينتهذ الفرصة الأن، فروسيا اليوم لن تكون روسيا المنتصرة أو روسيا بعد التسوية غداً. فعلية أن ينجز عقد تحالفات صحية وحقيقة ترقى الى مستوى محاولة الغرب (قتل الرئيس) وليس مجرد صفقات سلاح من متبقي مخازن الجيش الروسي أو طلب الحماية كما فعل من قبل الرئيس البشير حين قال لبوتن ( عايزنكم تحمونا من أمريكا)؟!
(أن الثروات الحقيقة للشعوب ليست الموجودة فى باطن او على ظهر الأرض، إن ثروات الشعوب الحقيقة هى (قادة) لديهم القدرة على أستخدام العقل بالتفكير الأصيل الحر لإستثمار الفرص لبناء شعوبها وحمايتها زاتياً وليس تسول الحماية).
أخيراً:
الروس يحتاجون الى أكثر من مجرد تواجدهم فى الأرض السودانية أو توقيع عدد من أوراق الإتفاقيات ليدعموا السودان دعماً يشفى الصدور، هم يحتاجون لأن يُبدي السودان موقفاً حاسماً وجريئاً ضد مبادرات الإذلال الأمريكية الغربية والعربية للسودان، والقول (لا مفاوضات سنستمر فى القتال) و بالفم المليان، فالسودان مواقفهُ دائماً غير نهائية وخاصة فيما يكون العرب طرفاً فيه.